لماذا يجب أن يكون الخالق ربًا أو إلهًا بالمعنى الدارج أصلًا؟ ألا يمكن أن يكون كائناً آخراً أكثر تقدمًا؟
بقلم : عمرو فاروق
هذا الكون المادي لا يمكن أن يكون بصفات لانهائية وإلا سينهار الكون نفسه، فلو أن هناك جسمًا ماديًا له كتلة لانهائية فهذا يعني أنه لا يوجد مساحة لا يشغلها، وبالتالي لا يمكن أن يوجد غيره، ولن يمكنه الحركة لعدم وجود فراغ يتحرك فيه، وعندئذ سيكون الكون كله عبارة عن جسم ضخم مصمت ساكن بلا حياة، ولهذا فاتصاف الكون نفسه أو أحد موجوداته باللانهائية هي نظرية ينفيها كل جسم مستقل أو متحرك، فحركة يدك نفسها ومجرد وجودك بشكل مستقل عن باقي الموجودات هي أدلة تجريبية على أننا نعيش في كون محدود له بداية وله نهاية في الزمان والمكان، ولا يشاركنا فيه أي كائن مادي له خواص لانهائية.
وأهمية فهم أن الكون له بداية ليست ترفًا فلسفيًّا، بل تعني بكل وضوح أن الوجود المادي جزء من وجود أكبر غير مادي؛ فالكون عبارة عن مكعب رباعي الأبعاد داخله المادة والطاقة والزمان والمكان.
فوجود بداية ونهاية تعني ببساطة أن خارج الكون لا توجد مادة ولا توجد طاقة ولا يوجد مكان ولا يوجد زمان، بل عدم مادي محض، بكلمات أخرى، هذا الكون المادي الذي نعيش فيه هو مساحة محدودة وحدث طارئ وقصير ناتج عن وجود ممتد ليس به زمان ولا مكان ولا مادة، ولكنه ليس فراغًا خاملًا، بل وجود ميتافيزيقي يعج بالحياة والقدرة الكافية لإحداث هذا الكون الهائل بضخامته بلا احتياج لمادة خام ولا زمن.
وسواء سَميت الفاعل خارج هذا الكون الله، أو سماه بعض علماء الفيزياء المؤثر الخارجي «مثل هوكينج»، أو سماه بعض الفلاسفة المسبب الأول «مثل أرسطو» أو حتى إن اعتبره البعض كائنًا فضائيًا فالجميع يتفق أن أيًا من كان خارج هذا الكون المادي هو وجود ميتافيزيقي «غير مادي» لا يحده مكان، فلا يحتاج أن ينتقل من بلد لآخر ليشهد ما فيه بل كل الكون بكواكبه ومجراته متراصفة أمامه في وقت واحد. ولا يحتاج انتظار تعاقب الزمان ليعلم ما سيأتي، بل كل لحظات الكون من بدايته إلى نهايته متراصفة أمامه في وقت واحد، وعلى خلاف الكائنات داخل كوننا المادي، فقط هذا الموجد غير المادي يمكن أن يكون له صفات لا نهائية دون أن يتسبب في انهيار الكون لأنه لا يتنافس مع الكون في مساحته ولا مادته ولا طاقته. بل هو على العكس، يمد الكون بمساحته ومادته وطاقته.