(الرد على ما يدّعي انَّ القرآن يكفي وحده دون السنَّة)
بقلم: شريف محمد جابر
من يقرأ كتاب الله يعلم تمامًا أنّ فيه آيات واضحة بيّنة ترشدنا إلى ضرورة اتّباع السنة، وإلى أنّ نصوص القرآن لا يمكن فهمها والعمل بها من دون السنة. يقول الله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل: 44). والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلّم، يقول الإمام البغوي رحمه الله: "أراد بالذكر الوحيَ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مبيِّنًا للوحي، وبيان الكتاب يُطلب من السُنَّة".
ماذا يعني إلغاء هذا البيان (السنّة) والقول بأننا لسنا بحاجة إليه؟
يعني ببساطة تكذيب كتاب الله والزعم بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلّم لم يبيّن ما أنزل الله إليه للناس! ويعني من جهة أخرى تكذيب الله عزّ وجلّ الذي قال في كتابه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9). فكيف يكون هذا الكتاب محفوظًا إذا ضاع بيانُه الذي بضياعه تندرس معالم هذا الدين؟! ويقول تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} (البقرة: 151). والآية واضحة في أنّ وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلّم ليست مجرّد بلاغ آيات الكتاب وتلاوتها، بل بالإضافة إلى ذلك: التزكية، تعليم الكتاب والحكمة. ولو اقتصرت الآية على قوله تعالى: {ويعلّمكم الكتاب} لكانت حاسمة في أنّه لا يمكن الاكتفاء بالقرآن من دون تعاليم الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فهي بيان القرآن. ولكنّ الآية لا تترك لصاحب شبهة مجالا لإنكار وجوب التزام السنة، فقد قال سبحانه: {ويعلّمكم الكتاب والحكمة}، ومهما تأوّلنا المقصود بـ"الحكمة" فالمعنى الواضح أنّها شيء زائد عن مجرّد إبلاغ آيات الكتاب، أي إنّها تعاليم زائدة على ما في كتاب الله، وهو ما اصطلح العلماء على تسميته بالسنّة.
وهذه الآيات واضحة في وجوب اتّباع سنّة الرسول صلى الله عليه وسلّم، ومن هنا يظهر تهافت استدلالهم بقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} (النحل: 89) على عدم الحاجة إلى السنة، فالقرآن نفسه يخبرنا ويبيّن لنا أنّكم أيها المسلمون لن تتمكّنوا من فهم كتاب الله كاملا والعمل بما أمر الله فيه إلا باتّباع السنّة التي جاء بها النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويكون هذا داخلا في معنى قوله سبحانه {تبيانًا لكلّ شيء}؛ فقد أمرنا بالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها، وجاءت كيفية القيام بها في سنّة الرسول صلى الله عليه وسلّم، التي أخبرنا عزّ وجلّ في كتابه بضرورة اتّباعها، أي أنّ الكتاب بيّن لنا من أين نعرف تفاصيل أحكام الدين وكيفية أدائها.