الالحاد يسحق قيمة الانسان ومعنى الحياة
عزيزي القارئ لا تصدق الأكذوبة التي تقول ان الالحاد حرية وتنوير! فالحقيقة معاكسه تماماً الالحاد عذاب نفسي وشقاء والكثيرون ممن
وقعوا في فخ صفحات الالحاد دفعوا صحتهم النفسية ثمناً لذلك، بل وأكثر من ذلك قسم
منهم شارف على الانتحار لأنه فقد معنى ذاته ومعنى حياته!
يبحث الإنسان في هذا العالم عن المعنى والغاية والقيمة لأنه يعلم وجود هذه
الأشياء ولأنه يستقر في وعيه معناها، ولأنه يدرك أنها معانٍ سلميةٍ تمامًا.
وفي مفارقةٍ نادرةٍ ومضحكةٍ في وقت واحد: فالإنسان حين يُلحد يقوم بارتكاب
خطأ الإلحاد مسبقًا، لأنه يعتقد ان في الالحاد قيمه ومعنى ولذلك ألحد! بينما
الالحاد يقتصر فقط على الاشياء المادية ولا وجود للقيم داخله: لا وجود لمصطلح خير ولذلك الاعتقاد بان
الالحاد هو شي صواب وصحيح دليل على خطأ الإلحاد! ويصبح الكفر دليلاً
على سقوط الكفر!
إنها مفارقة غريبة لكنها حقيقية، وعجيبة لكنها واقعية!
يرفض الالحاد الارتكان إلى أية قوة غيبية، ويسلم فقط بمعطيات العالم
المادي! وفي هذا الإطار تختفي القيمة والمعنى والمعيارية لكل شيء في الوجود، وتسود
الحتمية المادية الصارمة، وهنا لن يستوعب العقل المعنى ولا القيمة، لأن العقل هو
الآخر يتكون من نفس الذرات التي يتكون منها العالم المادي وتحكمه نفس الحتميات
المادية التي تحكم كل ذرة في هذا الوجود المادي الصامت الخالي من الغاية، الهدف، المعنى
والقيمة.
وكما يقول المفكر الأيرلندي كليف لويس C. S. Lewis: "لنفترض أنها مجرد ذرات داخل جمجمتي تُعطي
ناتج ثانوي يسمى فكر، إذا كان الأمر كذلك كيف أثق أن تفكيري صحيح؟ إنه مثل إبريق
الحليب الذي عندما تخضه تأمل أن الطريقة التي تتناثر فيها بقع الحليب ستعطيك ذاتها
خريطة لمدينة لندن، ولكن إذا لم أستطع أن أثق بتفكيري ولا أستطيع أن أثق في الحجج
التي تؤدي إلى الإلحاد وبالتالي لا يوجد سبب لأكون ملحد أو أي شيء آخر، إلا إذا
كنت أؤمن بالله، لا أستطيع أن أؤمن في الفكر: بحيث لا يمكن أبدًا أن أستخدم الفكر
لعدم الإيمان بالله. " (1)
فالعالم المادي لا يُقدم لك ما يبرر لك حتى معنى تمردك، وقد عبّر ريتشارد
داوكينز Richard Dawkins–عرّاب الملحدين في العالم- عن فقدان المعنى
والقيمة والمعيارية في إطار الإلحاد فقال: "الكون في حقيقته بلا تصميم، بلا
غاية، بلا شر ولا خير، لا شيء سوى قسوة عمياء لا مبالية." (2)
فالإنسان من منظور إلحادي هو مجرد نفاية نجمية، كما يقول اللاأدري الشهير
كارل سأغان Carl Sagan. (3)
إذن النتيجة التي نخرج بها مما سبق أن: الإلحاد يُعيد كل شيء إلى الطبيعة
لأنها المركز الوحيد في هذا الوجود!
والطبيعة لا مبالية، ولا تحمل تفسيرًا في ذاتها!
وهنا يتوقف المعنى، أو بصيغة أدق: لا يمكن استيعاب المعنى لأنه غير موجود،
ولا يمكن استيعاب القيمة لأنها غير موجودة، ولا يمكن ضبط معيارية أي شيء لأن كل ما
سبق وبمنتهى الدقة أشياء ملوثة ميتافيزيقيًا –أي مختلطة بتصورات ماورائية غيبية
لامادية-.
وبناءً على ذلك لا يمكن الحديث داخل هذا العالم الصارم الحتمي اللاغائي عن
الحس الجمالي aesthetic أو الأخلاقي moral أو القيمي value-oriented، أو الإنساني anthropic أو الأدبي ethical، أو العاطفي emotional فقط تسود الحتمية المادية الصراعية
اللاغائية الميكانيكية الصارمة mechanical.
ويصبح من المستحيل الدفاع عن القيمة الأخلاقية المطلقة، بل ومن المستحيل
استيعابها أصلاً! ويعترف ريتشارد داوكينز بذلك قائلاً: "من الصعب جدًا الدفاع
عن القيمة الأخلاقية المطلقة على أرضية أخرى غير الدين." (4)
وإن كان الأصح أن يقول: من المستحيل معرفة معنى الأخلاق فضلاً عن استيعابها
أو الدفاع عنها!
فداخل العالم الإلحادي المادي الحتمي لا يمكن تخطئة هتلر، أو تبرئة
المصلحين، وهذه العبارة الأخيرة لريتشارد داوكينز! (5)
وداخل العالم الإلحادي تصبح أكبر الجرائم خالية من المعيارية والمعنى
وبالتالي لا يمكن انتقادها!
فيصبح الاغتصاب مجرد حركات عضلية متكررة بلا غاية ولا معنى، وتصبح كل
الإبادات الشمولية بلا أدنى معيارية، فلا فرق بيولوجي بين إبادة أمة بأكملها
وإبادة مستعمرات بكتيرية خلال عملية المضمضة!
يقول ريتشارد داوكينز: "اعتقادك بأن الاغتصاب خطأ أمر اعتباطي تمامًا." (6)
والأصح: لن تستوعب أصلاً أنه خطأ، لأن الخطأ كلمة غير موجودة في عالم تحكمه
حتميات صارمة!
فكما أنه لا توجد ذرة تتمرد على خط سيرها ثم تكتشف أنها أخطأت كذلك لا يوجد
إفراز مادي لكلمة خطأ حتى يستوعبه الإنسان المادي بعقله المادي...
وكما أن الالكترون لن تأتي عليه لحظة ويقرر أن يسير في عكس الاتجاه ثم يخجل
من ذلك ويعتذر عن خطأه ويعود لطريقه المستقيم، كذلك الانسان الذي هو كومة من
الالكترونات لن يستوعب الخطأ ولا الخجل من الخطأ ولا معنى الخطأ!
وداخل الإلحاد تصبح الإرادة الحرة مجرد وهم، وهذا لفظ سام هاريس Sam Harris أحد أعمدة الإلحاد الجديد في رسالته Free Will،
إذ يقول: " الإرادة الحرة مجرد وهم." (7)
Free well is
an illusion.
والأصح: الإرادة الحرة لن نستوعب وجودها أصلاً، ولن نعرف معناها في عالم لا
يفرزها ولا يتحرّاها!
وهذه الجبرية القاسية التي تفترضها الرؤية الإلحادية يُعبر عنها ريتشارد
داوكينز قائلاً: "الشيفرة الوراثية لا تكترث ولا تدري، إنها كذلك فقط ونحن
نرقص وفق أنغامها." (8)
هكذا يتحول الإنسان في العالم المادي الإلحادي إلى روبوت لا يمكن محاكمته،
أو ضبط قيمته، أو معرفة غاية وجوده، أو معنى تصرفاته، وينهار الإنسان وتنهار معه
كل الآمال في عالمٍ أفضل، ويتسمم كل شيء وتتسمم القيمة فالذين نسوا الله أنساهم
أنفسهم {نسوا الله فأنساهم أنفسهم} (سورة الحشر:١٩)
وفي هذه اللحظة المخيفة يُصبح إحراق الأطفال أمر لا يمكن استيعاب أنه خطأ،
فضلاً عن النهي عنه، يقول آرثر ألين ليف Arthur Allen Leff أستاذ القانون بجامعة يال بالولايات المتحدة
الأمريكية: " لا توجد طريقة لإثبات أن حرق الأطفال بقنابل النابالم هو شيء
سيء." (9)
وهنا يغيب الإنسان عن الساحة وتسود أشباح مادية تتسمم معها كل قيمة في هذا
الوجود!
هوامش المقال
1- C.S.
Lewis, Surprised by Joy: The Shape of My Early Life
2- The
universe we observe precisely has the properties we should expect if there is,
at bottom no design, no purpose, no evil and no good, nothing but blind,
pitiless indifference.
River out of
Eden, p.131-132
3- Video
Source: The Shores of the Cosmic Ocean [Episode 1]
Some part of
our being knows this is where we came from. We long to return. And we can.
Because the cosmos is also within us. We're made of star-stuff. We are a way
for the cosmos to know itself. 06 min 04 sec
4- It is
pretty hard to defend absolute morals on grounds other than religious ones.
The god
Delusion, p.232
5- What's to
prevent us from saying Hitler wasn’t right? I mean that is a genuinely
difficult question.
http://byfaithonline.com/richard-dawkins-the-atheist-evangelist/
6- Your
belief that rape is wrong is an arbitrary conclusion.
From an
interview with Justin Brierley of "unbelievable"
7- Free Will.
P.5
8- DNA
neither cares nor knows. DNA just is. And we dance to its music.
River out Of
Eden, p.133
9- there is
today no way of ‘proving’ that napalming babies is bad
Economic
Analysis of Law: Some Realism about Nominalism (1974), p.454.