(تصحيح مفاهيم خاطئة بصدد التوفيق بين آيات القرآن الكريم وبين نظرية الانفجار العظيم)
بقلم: محمد سليم مصاروه
صيدلي وماجيستير في علوم الأدوية
تُعتَبر نظرية (الانفجار العظيم) النظرية الأكثر شيوعًا وقبولًا لتفسير نشأة الكون وذلك بسبب تمكُّنها من تفسير المشاهدات الكونية وقدرتها على التنبؤ بحقائق تم اكتشافها لاحقًا. فقد فسرت النظرية تمدد الكون الذي رُصدت أثاره (1924) وكذلك تنبأت بوجود إشعاع ذي أمواج صغيرة في خلفية الكون بين المجرات، وهو أمر اكتشف سنة (1964). [1]
بحسب النظرية
كان كل الكون مختزلاً في نقطة واحدة(متفردة)، لم تكن لتلك النقطة ابعاد فيزيائية،
العرض، الطول والحجم كلها كانت صفرًا، كانت عدمًا، لم يكن هناك زمن، مكان، فراغ،
فضاء او اي شيء اخر [2] ،[3].
وفقاً
للمعادلات الرياضية لنظرية النسبية العامة (وهي أحد ركائز نظرية الانفجار العظيم)
قبل 13.8مليار
عاماً حدث انفجار ادّى الى توسع الكون وتضخمه، بدء الزمان، والمكان، وانبثاق
الطاقة والمادة.[1]
بعد حدوث
الانفجار وتمدد الكون بدهور كان الكون عبارة عن كتلة ضخمة من الغازات وبعد مليارات
السنين تشكلت النجوم والمجرّات [4]، [5]
ذكرَ القرآن
الكريم حقيقة تمدد الكون في الآية الكريمة وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ
وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (الذاريات:47)، تتطابق آيات القرآن الكريم مع الرصودات
والحقائق العلمية. من جهة ثانية، هناك تأويلات غير صحيحة لآيات القرآن الكريم
تتعلق بنشأة الكون وأودُّ أن أعرض ردًا موجزًا لتلك المفاهيم الخاطئة، أعرضُ
الادعاء الخاطئ وتحته الجواب.
1- نظرية الانفجار العظيم تدعم الإلحاد لأنها تقول ان الكون
نشأ دون خالق !
* بالعكس تماماً ، نظرية الانفجار العظيم نسفت الإلحاد
ولذلك يمقتها الملاحدة لأنها دحضت الادعاء ان الكون ازلي واثبتت ان الكون حادث أي أنَّه كانت له بداية ، والشيء الذي له بداية يستوجب وجُود مُسَبَّب
أزلي أبدي مطلق القدرة وهو اللّه عزَّوجلَّ .
2- نظرية الانفجار العظيم تتناقض مع آيات القران الكريم.
لأنَّ النظرية تقول بأنَّ عمر الكون 13.8 مليار سنة بينما يذكر القران الكريم أنَّ
مُدَّة تخلق السماوات والارض هي ستة أيام!
* لا علاقة بين الامرين ، وذلك لان النظرية تُقدِّر عمر الكون
كله من لحظة الانفجار العظيم وحتى الآن وهي 13.8 مليار سنة . ولم تتشكل السماء بما
فيها من نجوم وكواكب والكرة الارضية مباشرة بعد حدوث الانفجار العظيم، فكل تلك
الاشياء حدثت بعد تكون جزيئات المادة وتكوّن غاز الهيدروجين والهيليوم ومن ثمَّ
باقي العناصر الكيميائية، وقد استغرق ذلك مليارات السنين بعد الانفجار العظيم، من
جهة ثانية فانَّ مدة تَخلُّق السماوات السبع من سماء واحدة ومدة تَخلُّق الكرة
الارضية لا تساوي عمر الكون. وحتى تتضح الفكرة أكثر، فعندما نقول انَّ سِن فُلان
هو 23 عامًا فذلك يعني أنه قد مرَّ عليه 23 عامًا مُنذ أن نزل من بطن أمه، ولكن
مُدَّة تَخَّلقه ليست 23 عامًا، بل 9 أشهر عندما كان جنينًا في رحم امه. نفس الأمر
بالنسبة لخَلْق سبع سماوات من سماء واحدة (والتي كانت عبارة عن سحابة ضخمة من
غازات) وأيضًا خَلق الكرة الأرضية كلُّ ذلك استغرق 6 أيام قرآنية (وقد يكون اليوم
الواحد مساوٍ ل 1000 سنة وذلك بحسب الآية الكريمة: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ
بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ۚ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ
كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (الحج: 47))
3- القرآن الكريم يتحدث عن الانفجار العظيم من خلال مصطلحيّ
( الرتق والفتق ) المذكوران في الآية الكريمة: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا
مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (الأنبياء:30)
*عملية الفتق من الرتق لا تصف الانفجار العظيم ، وانما
تصف عملية لاحقة حدثت بعد الانفجار العظيم بمليارات السنين تُقدّر ب 8.5-9 مليار
سنة بعد حدوث الانفجار وتمدد الكون [6]، آنذاك كان الكون عبارة عن سُحب ضخمة من الغازات ، حدثت
عملية انفصال (فَتق) لكتلة من الغازات وبسبب قوة الجاذبية تكتلت على نفسها تلك
الكتلة ومنها نشأت المجموعة الشمسية وبضمنها الكرة الارضية
4- القرآن يذكر التصاق الأرض بالسموات قبل حدوث الفتق، فكيف
يمكن لذرة صغيرة مثل الكرة الارضية ان تكون ملتصقة بالسموات السبع الهائلة الحجم ؟
إلّا إذا كانت الارض مسطحة وضخمة جدًا بمساحة السموات !
*الإدعاء أعلاه نابع من خلل في فهم الآية الكريمة "
أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا
فَفَتَقْنَاهُمَا " الانبياء 30.
كلمة (رَتْقًا)
تعني التئام، التحام
وكلمة
(فَتَقْناهما) تعني شَققناهما، فصلناهما
الآية الكريمة
تقول بان السماوات والارض كانتا جسمًا واحدًا وذلك لا يعني انهما كانا مثل
هيئاتهما كما هو الآن. فمادة الارض هي نفسها كانت من نفس مادة السماوات،الكل كان
" مرتوقًا " في سحابة دخان.
السماوات
والارض كانتا جسمًا غازيًا واحدًا ومن ذلك الجسم حدثت عملية فَصْل "
فَتْق" لكتلة غازية تكتلت على نفسها بفعل الجاذبية ونشأت منها اجرام المجموعة
الشمسية منفصلةً وبضمنها الكرة الارضية.
5-هناك تناقض بين بين العلم وبين آيات القران الكريم،
فآيات القران الكريم من سورتي البقرة وفصلت، تقول أن َّالسماء خُلِقت قبل الأرض
بينما تُفيدُ الفيزياء الكونية بأن الكثير من المجرّات بما فيها من نجوم وكواكب
ظهرت قبل الكرة الأرضية !
هُوَ الَّذِي
خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ
فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (البقرة: 29)
قُلۡ
أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ
وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا
رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ
أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ (10) ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى
ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ
كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ (11) فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ
فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ
ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ
(فصلت12:)
*السماء هو كل ما هو خارج عن نطاق الكرة الأرضية. بدأت
النجوم والكواكب في الظهور بعد حدوث الانفجار ب 1.3-1.5 مليار سنة، بينما ظهرت
مجموعتنا الشمسية 8.5-9 سنة بعد الانفجار العظيم [6]
لذلك كانت السماء قبل الكرة الأرضية،
وهو بالضبط ما تقوله آيات القران الكريم! فالسماء كانت موجودة وكان معظمها في
الحالة الدخانية، وبعد خَلق الارض خُلقَّت سبع سماوات من نفس السماء التي كانت
موجودة (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ)
(ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ
فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا)
6-لا يُمكِن معرفة كيفية حدوث الكون لأن القرآن الكريم
يقول "مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ
أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا"
*الإعتراض أعلاه عبارة عن تدليس وتشويه لمعنى الآية الكريمة
، ولو أَبرز المعترض الآية السابقة للآية المذكورة ، لظهر المعنى بوضوح وهو أن
الآية تتحدث عن ابليس وذريته الذين عبدهم الكُفار . واليكم الآيات (51-50) من سورة
الكهف:
50-وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ
فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ
أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ
بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا
51-مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا
معنى الآيتين
" ما أحضرتُ إبليس وذريته -الذين أطعتموهم- خَلْقَ السموات والأرض، فأستعين
بهم على خلقهما، ولا أشهدتُ بعضهم على خَلْق بعض، بل تفردتُ بخلق جميع ذلك، بغير
معين ولا ظهير، وما كنت متخذ المضلِّين من الشياطين وغيرهم أعوانًا. فكيف تصرفون
إليهم حقي، وتتخذونهم أولياء من دوني، وأنا خالق كل شيء؟ (التفسير
الميسر).
كما ترون، آيات القرآن الكريم لا تمنع البحث العلمي وإعمال الفكر، بل بالعكس، هي تدعوا الى ذلك، واليكم منها على سبيل المثال:
قُلِ انْظُرُوا
مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ (سورة
يونس 101).
إِنَّ فِي
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ
لِأُولِي الْأَلْبَابِ (آل عمران 190).
الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا
سُبْحَانَكَ فقنا عذاب النَّارِ (آل عمران 191).
تَبَارَكَ
الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا
مُّنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ
أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (سورة الفرقان 62).
المصادر
[1] Evidence-for-the-Big-Bang.pdf
[2] What
is a singularity? | Live Science
[3] scientificamerican.com/article/the-universe-began-with-a-bang-not-a-bounce-new-studies-find/
[4] Dust
in the Stellar Wind: A Cosmological Primer - NASA Science
[6] Big
Bang Timeline- The Big Bang and the Big Crunch - The Physics of the Universe