التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الإيمان بالله من أسرار الثورة العلمية بعصر النهضة


(الإيمان بالله من أسرار الثورة العلمية بعصر النهضة)
بقلم: فداء ياسر الجندي

حدث أن كتبت مرة في سطور مقدمة مقال علمي نشرته في موقع الجزيرة نت، عبارة: "أقول وبالله التوفيق"، فكتب أحد المعلقين، وباسم مستعار: "مجرد أن قرأت في بداية المقال عبارة (وبالله التوفيق) أدركت أن ما سيأتي لا علاقة له لا بالعلم ولا بالمعرفة، وإنما نتاج تفكير لاهوتي بحت يريد أن يفرض الغيبيات على الأبحاث و التجارب. لا أمل لنا في التقدم طالما أننا نضيع وقتنا في مثل هذا التفكير العقيم"!!
يعتقد الكثيرون من المنبهرين بالعلم والعلماء -ممن يعانون "عقدة الخواجا"، وممن لا ينهلون ثقافتهم العلمية والتاريخية من مصادرها الصحيحة- أنك إذا ذكرت الله تعالى في معرض حديثك عن أمر علمي، فقد خرجت عن السياق العلمي وأصبحت تتكلم في الغيبيات والعقائد وليس في العلم، وإذا كنت تتحدث عن الإيمان فلا تذكر العلم والعلوم، فأنت لست أهلا لذلك، لأن العلم الحقيقي لا شأن له بالإيمان، الإيمان مكانه دور العبادة، والعلم مكانه المختبرات والتجارب والجامعات ومراكز الأبحاث، وما ظهرت الثورة العلمية في قرون النهضة الأوربية، إلا عندما تخلص العلماء من سيطرة الكنيسة والقساوسة والرهبان، ونبذوا الإيمان والأديان، وانطلقوا يمخرون عباب العلم بحرية وانفتاح، فنقلوا العالم نقلات واسعة لم تكن تتصورها حتى قصص الخيال العلمي قبل ذلك الزمان.
هذا الكلام هو أشبه بالخرافة التي يصدقها الكثيرون دون جدال، ولا أشك في أن صاحب هذا التعليق هو من ضحايا هذا الاعتقاد الخاطئ، ولو اطلع هو وأمثاله على تاريخ العلم والعلماء، في أوروبا بالذات، في العصر الذي يسمونه عصر النهضة -أي ما بين القرن السادس عشر والقرن التاسع عشر- لغيروا رأيهم رأسا على عقب.
فحقيقة الأمر كما يؤكدها التاريخ العلمي الموثق، أن النهضة العلمية الحديثة التي شهدتها أوروبا بعد نهاية العصور الوسطى المظلمة، كان الإيمان بالله هو محركها الأول، وكان روادها العظام يتمتعون بإيمان عميق بوجود قوة مطلقة عظمى تقوم على هذا الكون، فأعملوا عقولهم ومواهبهم في محاولة لاكتشاف حكمة الله وعظمته وتدبيره، من خلال اكتشاف القوانين التي تسيّر الكون وتحفظه وتسخّره لخدمة البشر.

لا نقول هذا الكلام إنشاء، ولا جزافا، بل لدينا من الأدلة الموثقة ما يؤكده، من خلال أقوال العلماء العظام الذين قامت النهضة العلمية في أوروبا على أكتافهم وبفضل إبداعهم وعلمهم وعبقريتهم.
ونبدأ بالعالم البولندي الشهير "نيكولاس كوبرنيكوس" المتوفى عام 1543، وهو الذي قلب مفاهيم علم الفلك التي كانت سائدة في زمانه رأسا على عقب. يقول هذا العالم العظيم: "على العالم أن يطلب الحقيقة في كل شيء، إلى المدى الذي يؤهله له المنطق الذي منحه الله إياه".
ويقول العالم الإيطالي المعروف "غاليليو" -وهو فلكي وفيلسوف وفيزيائي من كبار علماء عصره- المتوفى عام 1615: "لست مضطرا إلى الاعتقاد أن الله الذي منحنا موهبة الحواس والمنطق والحكمة، هو نفسه يدعونا إلى التخلي عن كل ذلك".
ويقول العالم  الكيميائي والفيلسوف والمخترع الإيرلندي "روبرت بويل"، المتوفى عام 1674، وهو من أعظم علماء الكيمياء في قرن السابع عشر، ويعرف بأنه أبو الكيمياء: "عندما أتأمل الكواكب والنجوم بواسطة التلسكوب، وأتبين الإبداع الفذ الذي لا يضاهى في دقائق الصنعة بواسطة المايكروسكوب، وأقرأ كتاب الطبيعة في مختبرات الكيمياء، أجد نفسي تهتف دائما دون شعور: كم هو بديع صنعك يا إلهي، إنها حكمتك التي أبدعت كل شيء".

أما رائد العلماء في عصور النهضة -بل ربما في كل العصور- مؤلف كتاب "برينسيبا ماثيماتيكا" الذي يعد من أعظم الكتب العلمية التي ألفها البشر وأكثرها تأثيرا في مسار التطور العلمي، ولا سيما في الفيزياء؛ ونقصد العالم الإنجليزي الغني عن التعريف "إسحق نيوتن"، المتوفى عام 1727، فقد قال عندما ألف كتابه المذكور: "لقد كتبت هذا الكتاب وأنا أضع نصب عيني أن يكون سبيلا إلى مساعدة الناس على أن يؤمنوا بالله المعبود، ولن يسعدني شيء أكثر من تحقيق هذه الغاية"، ومن أقواله المأثورة: "يكفي أن أنظر لإبهامي حتى أكون مؤمنا بالله".

هذه نماذج من أهم العلماء الذين قامت العلوم في عصر النهضة على أكتافهم، ومن يتتبع التاريخ العلمي لعصر النهضة في أوروبا، فسيكتشف مندهشا أن معظم (ولا أقول جميع) العلماء آنذاك كانوا من المؤمنين الأتقياء، وهذا ما يؤكده البروفيسور "ستانلي جاكي" في كتابه "طريق العلم والمسير إلى الله"، حيث يقول: "لطالما كان العلم هو الوسيلة التي تتم بها دراسة حكمة الله".
ولا يقتصر الأمر على عصر النهضة، بل ينطبق على غالبية العلماء العظام في كل زمان ومكان، فها هو العالم الكبير ألبرت آينشتاين، صاحب النظرية النسبية، المتوفى سنة 1955، يقول: "إن ثمرة العلم الحقيقي، هي ذلك الشعور العميق الجميل بالروحانية. إن من لا يعرف ذلك الشعور، ولا يقف مستغرقا أمام عظمة الكون برهبة وخشية، هو شخص في عداد الأموات"، ويقول أيضا: "أريد أن أكتشف كيف خلق الله الكون، لست مهتما بهذه الظاهرة أو تلك، أو بتأثير هذا العنصر أو ذاك، أريد أن أعرف حكمته، والباقي مجرد تفاصيل"، ومن أقواله المأثورة في تأكيده لعظمة الكون ونظامه الدقيق المعجز: "إن الله لا يلعب النرد".
ويقول العالم الكبير "ماكس بلانك"، المتوفى سنة 1947، والحائز على جائزة نوبل في الفيزياء لتوصله إلى نظرية فيزياء الكم: "لا غنى للعلم ولا للدين عن الإيمان بالله، أما بالنسبة للدين، فالإيمان بالله هو البداية والأساس، وأما بالنسبة للعلم، فالإيمان بالله هو نتيجة كل الأبحاث، هو النهاية التي نتوج بها نظرتنا العامة للكون".

ويقول العالم الأميركي فرانسيس كولينز، مدير واحد من أعظم المشاريع العلمية في القرن الحادي والعشرين، وهو مشروع خريطة الجينوم البشري: "إن الله الذي نعرفه في الإنجيل هو نفسه الله الذي نعرفه في الجينات، ويمكن أن نعبده في الكنائس كما يمكن أن نعبده في المختبرات، إن مخلوقاته عظيمة وبديعة ومحكمة التعقيد وفوق ذلك جميلة".
وبعد، لم نأت بأقوال وأفكار ابن سينا وابن رشد والغزالي والفارابي والمئات من كبار العلماء المسلمين الذين حملوا بإيمانهم شعلة العلم والعلوم قرونا من الزمان، وشعارهم الدافع لهم قوله تعالى "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"، وقوله تعالى "إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ"، ولكن جئنا بأقوال أساطين العلماء الغربيين، منذ عصر النهضة إلى يومنا هذا، والتي لا نستطيع أن نستنتج منها إلا أن الإيمان بالله كان الشرارة التي قدحت زناد الفكر عندهم، ودفعتهم إلى الغوص في بحار العلم، والتوصل إلى اكتشافات وقوانين علمية عادت على البشرية بما لا يحصى من المنافع، ونقلتها نقلة لم يكن يتصورها أكثر كتاب الخيال العلمي إبداعا.
ولكن ما قصة العداء الذي كانت الكنيسة تظهره بشراسة للعلم والعلماء في العصور الأوروبية الوسطى؟ الجواب هو أنه عداء بين الكنيسة والعلم، وليس بين الإيمان والعلم، فالكنيسة كانت آنذاك مؤسسة تسيطر على المجتمعات الأوروبية في العصور الوسطى باسم الدين، تبيع الناس صكوك الغفران، وتمنح بركاتها -أقصد تأييدها وغطاءها- لملوك أوروبا الطغاة الحاكمين بسلطة الكنيسة المقدسة.
ولم تكن الكنيسة في صراع مع العلم والعلماء فقط، بل كانت تجثم على صدر المجتمعات بشكل عام وتحرص على إبقائها في عصور الظلام والجهل والتخلف، ليبقى لها (للكنيسة) سلطانها على الناس والمجتمع، لذلك فالقطيعة في عصور الظلام لم تكن بين الإيمان والعلم، بل كانت بين الكنيسة ورعاتها الذين ادعوا أنهم خدام التوراة والإنجيل، أما العلم الحقيقي، والإيمان الصادق، فلم يكونا أبدا في قطيعة كما رأينا، ولن يكونا.

المقالات الأكثر رواجا

الرد المبين على افتراءات مقالة أخطاء القرآن العلمية والردود الصلعمية الفاشلة عليها

الرد المبين على افتراءات مقالة أخطاء القرآن العلمية والردود الصلعمية الفاشلة عليها  هنا تجدون ردود على مجموعة أكاذيب وافتراءات ضخمة جمعها اعداء الاسلام، في سبيل الافتراء على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والادعاء انهما يحتويان على أخطاء علمية. اسم مجموعة الافتراءات والأكاذيب " أخطاء القرآن العلمية والردود الصلعمية الفاشلة عليها " وقد أبقيت على كل افتراء واتبعته بردٍ يليه . راجيًا أن يكون ذلك في ميزان حسناتي وحسنات أهلي، ولا تنسوني من دعائكم ( محمد سليم مصاروه - صيدلي وماجيستير في علوم الأدوية ) أخطاء القرآن العلميّة و الردود الصلعميّة الفاشلة عليها : الافتراء : 1 - زوجيّة الأشياء في القرآن : مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ / الذاريات : 49 وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ / الرعد : 3 حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ / هود : 11 و اذا طبقنا هذه الآبات وجدنا فيها شيئاً من التناقض مع الوقائع المكتشفة عل...

معاني كلمات القرآن الكريم - سورة مريم

بسم الله الرحمن الرحيم نرفق لكم أخوتنا الكرام ملف كامل عن معاني الكلمات مع لطائف شرح و تفسير الآيات لسورة مريم في  القرآن الكريم يمكن تحميلها عبر هذا الرابط

الرد المبين على الإفتراء في مقالة أخطاء القرآن العلمية

تجدون في أسفل المقالة رابط تحميل ملف نصي لردود على مجموعة أكاذيب وافتراءات ضخمة جمعها اعداء الاسلام، في سبيل الافتراء على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والادعاء انهما يحتويان على أخطاء علمية. اسم مجموعة الافتراءات والأكاذيب " أخطاء القرآن العلمية والردود الصلعمية الفاشلة عليها " وقد أبقيت على كل افتراء واتبعته بردٍ يليه . راجيًا أن يكون ذلك في ميزان حسناتي ، ولا تنسوني من دعائكم (محمد سليم مصاروه - صيدلي وماجيستير في علوم الأدوية ) للتحميل انقر هنا

الرد على الإفتراء القائل بأن هناك أخطاء حسابية في توزيع الميراث في القرآن -العول

الرد على الافتراء القائل بأن هناك أخطاء حسابية في توزيع الميراث في القرآن -العول بقلم محمد سليم مصاروه يفتري المستلحدون واعداء الإسلام على القرآن الكريم ويزعمون أن القرآن فيه أخطاء حسابية حول تقسيم حصص الميراث ويتمادون في كذبهم فيَدَّعون أن القرآن من تأليف محمد (صلى الله عليه وسلم) وأنه أخطأ حسابياً في تحديد الحصص وذلك لأنه في حالات مُعَيَّنة يكون مجموع حصص الورثة أكثر من ١٠٠٪؜ وفِي حالات أخرى يكون أقل من ١٠٠٪. والحقيقة أن من يشكك في القرآن الكريم فهو أكثر من مدعو إلى أن يحاول أن يكتب شيئًا مثل القرآن الكريم وليقدم لنا  إبداعاته! على كل حال، حدَّدت آيات القرآن الكريم مقدار حصص الوارثين المحتمل وجودهم على الغالب أثناء تقسيم الميراث، فمثلاً ترث الأخت نصف مقدار الأخ الشقيق ولكن هناك الكثير من الاحتمالات لوجود عدة أنواع من الورثة في نفس الوقت مثل (أخ، أخت، عّم، جد حفيد وكذا) وبطبيعة الحال ليس من المعقول افتراض تفصيل آيات القرآن الكريم لكل الحالات التي فيها تراكيب مختلفة من الوارثين، وإلِّا لصار القرآن مُجَلَّدات من الحسابات والمعادلات الرياضية وعندها سيكون سُمْكُه...

الرد على الافتراء القائل بان في القرآن خطأ علمي حين قاليَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ

  الرد على الافتراء القائل بان في القرآن خطأ علمي حين قال "يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ" وكذلك السنة الشريفة أخطأت بشأن كيفية تحديد جنس الجنين  بقلم:محمد سليم مصاروه  نعرض عليكم الافتراء اولًا يتبعه الرد: الافتراء: يقول : "خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ / الطارق: 6 - 7 شرح المفسرين : ‪http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=38118‬ الإنسان لا يخلق من ماء المرآة ومن المعروف طبيّاً أن اتحّاد البويضة داخل الرحم مع نطفة واحدة من الرجل هو من يكوّن الجنين ثانياً ذلك الماء لا يتكوّن من المنطقة الصدرية عندها ( الترائب ) , و لا يتكون مني الرجل من منطقته الصدريّة أيضاً ( الصلب ) هو يتكون في الخصيتين خارج البطن بعيداً عن منطقة الصدر !! وهذا ايضاً حديث صحيح يوضح مقصد الآية اكثر :" ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله " صحيح مسلم ‪http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=sh...

من هو العزير الذي قالت عنه اليهود أنه ابن الله ؟

من هو العزير الذي قالت عنه اليهود أنه ابن الله ؟  بقلم : محمد سليم مصاروه هو عزرا بن يوسف او عزرا الكاتب עֶזְרָא הַסּוֹפֵר  (باللاتينية: Esdras) 480-440  ق.م هو أحد أنبياء اليهود (وفقاً للعهد القديم وليس هناك تأكيد او نفي لذلك في القرآن والسنة ) كان موظفًا في بلاط إمبراطور الفرس (ارتحتشستا) ومستشارًا له في شؤون الطائفة اليهودية وكان ملماً بالتوراة ومدرساً لتعاليمها وكذلك كان كاتباً ماهراً للنصوص الدينية وقد تمكن عزرا  من أن ينال عفو الإمبراطور عن اليهود وسماحه لهم بالعودة إلى القدس وإقامة حكم ذاتي لهم، فقاد مجموعة يهود المنفى في بابل إلى  القدس وهناك  فرض احترام التوراة وأعاد تعاليمها وطهر المجتمع  اليهودي من الزواج المختلط، ولهذه الأسباب يحتل عزرا الكاتب مكانه عاليه جداً في الإرث الديني اليهود وقصته  مذكوره في ( سفر عزرا ) في العهد القديم ونجد في ملاحق الشروحات اليهوديه للمشناه والمعروفه باسم ( توسفتا ) תוספתא نجد رأياً يُزعم ان عزرا الكاتب كان مستحقاً لان تتنزل عليه التوراه لولا ان موسى عليه السلام سبقه ! כי ראויה הייתה התורה להינתן על י...

معاني كلمات القرآن الكريم - سورة البقرة

بسم الله الرحمن الرحيم نرفق لكم أخوتنا الكرام ملف كامل عن معاني الكلمات مع لطائف شرح و تفسير الآيات لسورة البقرة في القرآن الكريم يمكن تحميلها عبر هذا الرابط