(نشوء الكون بين الخلق الإلهي والفرضيات الماديّة)
هناك العديد من الفرضيات التي يدَّعي أصحابها طريقة معيَّنة في السبب الأول لنشوء الكون، سنناقشها ثم نرى فيما هي صحيحة أم لا، هذه الفرضيات هي:
١. الكون يفسِّر نفسه بنفسه!
لا تخف إن لم تفهم معنى هذه العبارة؛ فهي ببساطة متناقضة مع نفسها، بحيث أنه من المستحيلات العقلية أن يكون الشيء سببًا لوجود نفسه، أو بمعنى آخر: لا يمكن أن يكون الشيء هو السبب والنتيجة في نفس الوقت!
٢. الضرورة!
الضرورة تعني أن الكون بما يحويه موجود هكذا لأنَّه يجب أن يكون هكذا من الأساس؛ لكن، لماذا الكون يدعم وجود الحياة -مثلًا-؟ لماذا نرى كلَّ شيء في الكون مسخَّر ليعيش الإنسان هنيئًا على هذه الأرض؟
هذه الفرضية هي كالتي قبلها لا تملك الإجابة على هذه الأسئلة؛ لذا هي خاطئة كذلك.
٣. قوانين الفيزياء!
افترض وجود شخص يسير في صحراء قاحلة، وما أن ينزل من تَلَّة رملية حتى يصعد أخرى، ثم يتفاجأ بوجود قصر عظيم ليس فيه أحد ولا شيء حوله، فيعتقد أن سبب تشكُّل هذا القصر هو فقط قوانين الفيزياء أو أنه أوجد نفسه بنفسه! فهل نستطيع أن نقول أن هذا شخص عاقل؟! فما بالك بمَن يعتقد هذا سببًا في وجود الكون العظيم المتناسقة قوانينه وموجوداته!!!
إن القوانين الفيزيائية ما هي إلا وصف لحركة الأشياء، فالفيزياء -مثلًا-تصف لك من أين ومتى ستشرق الشمس، لكنها عاجزة عن خلقها، فهذا ليس اختصاصها.
٤. لصدفة!
هل يمكن أن يكون وجود الكون بهذا الخلق البديع المنضبط مجرد صدفة عمياء؟ هل هذا الكون الذي يدعم وجود الحياة بنِسَبٍ فائقة الدِّقة عشوائي محض؟ لا يوجد فيزيائي له صيت، بما فيهم الملاحدة، يقول أن وجود الكون مجرَّد صدفة عشوائية؛ فهذه الفرضية لا يمكن قبولها كذلك.
٥. الأكوان المتعدِّدة
قبل الخوض في نقاش هذه الفرضية، يجب أن نعلم أن المذهب المادي هو مذهب يؤمن فقط بالمادة والتفسيرات الطبيعية، لذا فتفسير المادة على أنها خلق من الله ليس مطروحًا عندها، بغضِّ النظر عن الدلائل التي تخالفهم
لهذا، عندما يرى الفيزيائيُّ الماديُّ الوجودَ البديعَ في هذا الكون؛ فإنه يبحث عن أقرب مخرج للتهرُّب من فكرة الخلق، وهو فرضية الأكوان المتعدِّدة.
تقول هذه الفرضية بوجود عدد هائل من الأكوان، وكل كون منها له ميِّزات وظروف، وحتى قوانين فيزيائية خاصة، وأن كوننا الذي نعيش فيه هو أحد هذه الأكوان؛ لهذا -حسب هذه الفرضية-ليس من الضروري القول أن كوننا فريد من نوعه، فهو كون حصلت له الظروف المناسبة من بين كل تلك الأكوان، وحتى لو كانت فرصته ١ إلى عشر ملايين من بين كلِّ هذه الصُّدَف!
وللرد على مُدَّعي صِحَّة هذه الفرضية نورد النقاط التالية:
أ. ليس هناك أي دليل يدعم صحة هذه الفرضية؛ فهي مجرَّد تخمينات وفرضيات، لا ترقى إلى أن تكون نظريات علمية، فضلًا عن أن تكون حقيقة!
ب. هذه الفرضية تخرق مبدأ "شيفرة اوكام" الذي ينص على: "يجب علينا ألّا نفترض وجود موجوداتٍ بغير مسوِّغ."
ج. إذا كانت هناك "آلة" لتصنيع هذه الأكوان؛ يجب أن تكون هذه الآلة مضبوطة على أن الكون الفلاني يجب أن تكون خصائصه كذا وكذا، والكون الآخر له خصائص أخرى، وهذا يتطلَّب وجود موجِد ومسيطر على هذا الآلة.
ومن هذه الردود المختصرة -والتي يوجد غيرها أيضًا-، نفهم أن هذه الفرضية فاشلة كذلك.
*الخلاصة:
بعد بيان ضعف جميع الفرضيات المادية في الإجابة على أسئلتنا؛ نتبيَّن أن وجود الخالق العظيم العليم الحكيم هو الأمر الأكثر قبولًا، فالخالق سبحانه له حكمة في خلقه تدحض جميع هذه الفرضيات الهشَّة، وهو الأمر الأكثر عقلانية!