القرآن الكريم يشير إلى ما دون الذرة
بقلم : المهندس شبل جمال
لم تُكتَشف الذرة و مكوناتها من بروتون و نيوترون و الكترون و كواركات و لم تُدرَج مع الحقائق العلمية المتداولة لدى عامة الناس الا في بدايات القرن التاسع عشر بعد ثورات و بحوث علمية مضنية استثمرت جهود عدد كبير من ارقى علماء التاريخ و اشهرهم نبوغا و ذكاء.
حيث إبتدأت الحكاية مع اكتشاف العالم دالتون للذرة عام 1808م و توصل الى أن المادة تتكون من دقائق صغيرة غير قابلة للإنقسام تسمى (الذرات)، بحيث تكون ذرات العنصر الواحد متشابهة فيما بينها و مختلفة عن ذرات العناصر الاخرى.
ثم اتت ثورة العالم ثومسون عام 1897 بإكتشاف الالكترون ذو الشحنة السالبة حيث وضع نموذجا للذرة افترض فيه بأن الذرة متعادلة كهربيا، حيث تتكون من جسم صلب متجانس موجب الشحنة تتوزع فيه الالكترونات السالبة بانتظام. و للاكترون جسيم مضاد يُطلق عليه علميا البوزيترون Positron وهو يتطابق مع الإلكترون في الصفات والخصائص الفيزيائية كافةً، فيما عدا الشحنة الكهربائية ؛ إذ يحمل البوزيترون شحنة كهربائية موجبة.
ثم اتت ثورة العالم رذرفورد عام 1909م حيث اكتشف البروتون ذو الشحنة الموجبة و أنشأ نموذج للذرة افترض فيه بان مركز الذرة يتكون من نواة موجبة الشحنة و الاكترونات تدور حولها. و العدد الذري Atomic Number يطلق على عدد البروتونات المتواجدة في نواة الذرة الواحدة و هو المعيار الذي تم من خلاله ترتيب العناصر الكيميائية في الجدول الدوري. و للبروتون جسيم مضادة يدعى (مضاد البروتون) Antiproton وهو يتطابق مع البروتون من ناحية الكتلة والعزم المغزلي spin وله شحنة كهربائية مساوية لشحنة البروتون إلا أنها شحنة سالبة.
ثم اكتشف النيوترون المتعادل كهربيا على يد العالم جيمس شادويك عام 1932م، و بإختلاف عدد النيوترونات في نواة الذرة مع بقاء العدد الذري ثابتا (البروتونات) تتكون نظائر العناصر الكيميائية Isotopes مثل اليورانيوم الذي يمتلك ثلاثة نظائر رئيسية في الطبيعة، حيث يتم من خلال خاصية انحلال اليورانيوم الى الرصاص تحديد اعمار اقدم الصخور المتواجدة على سطح الارض. و كذلك الكاربون 14 و هو نظير مُشع من نظائر الكربون، وزنه الذري 14، وهو أثقل من الكربون العادي الذي يقدر وزنه الذري بحوالي 12,011 حيث يستخدم في تحديد احافير الكائنات الحية المختلفة كي يتسنى للعلماء تحديد اعمار العصور البيولوجية التي مرت على الارض في عصور سابقة مصداقا لقوله تعالى (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) . و كذلك استفاد الاطباء من الذرات المشعة في الكشف عن الوظيفة الأيضية أو الكيميائية الحيوية لأنسجة وأعضاء جسم الانسان و مثال على ذلك تقنية التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (Positron emission tomography) حيث تُحقَن مادة مشعة داخل أحد الأوردة في يد المريض أو ذراعه. بعد ذلك، تتجمع المادة المشعة في مناطق الجسم التي تكون بها مستويات أعلى من النشاط الأيضي أو الكيميائي الحيوي، مما يساعد غالبًا على تحديد موقع المرض كما في الصورة ادناه. كما استطاع العلماء بناء الساعة الذرية التي تعتمد في عملها على اشعاع ذرة السيزيوم و هي من أكثر الساعات التي اخترعها الانسان دقة حيث تصل نسبة الخطأ فيها الى ثانية في اليوم الواحد.
حتى وصلنا الى الثورة العلمية المتمثلة بإكشتاف الكوارك عام 1964 على يد العالمان موراي جل-مان و جورج زويج وهو اللبنة الاساسية لبناء النيوترونات و البروتونات المكونة لنواة الذرة و اللذان يتحدد من خلال مجموع عددهما (النيوترونات و البروتونات) الكتلة الذرية لذرة العنصر Atomic Mass. و للكواركات جسيمات مضادة مثل بقية الجسيمات الأولية تدعى "مضاد الكواركات" Antiquarks.
و عندما تكون تلك الجسيمات التي ذكرناها آنفا و مضاداتها بحالة كمية مناسبة فإنهما سيفنيان بعضهما البعض لحظة اصطدامهما Annihilation و يتحولان الى طاقة (فوتونات) في نهاية المطاف و هي صورة من صور تحول المادة الى طاقة، و كذلك بإمكاننا إنتاج زوج من الإلكترون والبوزترون بواسطة اصطدام شعاعين من فوتونات غاما Pair production و هي صورة من صور تحول الطاقة الى مادة. و هذين المثالين يخضعان لمبدأ حفظ الكتلة-الطاقة الذي أوجده آينشتين في معادلته الشهيرة E=mc^2 (طاقة الجسم تساوي كتلته مضروبة بسرعة الضوء تربيع) و التي تم من خلالها صنع القنبلة الذرية.
و قد يقول قائل بأن الفيلسوف اليوناني ديموقريطس هو اول من اشار الى ان المادة تتكون من ذرات، و لكننا هنا نتحدث عن اول بحث علمي مبني على منهجية علمية صحيحة قائمة على اساس التجربة و التفسير العلمي الصائب.
حيث اطلق ديموقريطس على هذه الذرات مصطلح (atom) و هي كلمة اغريقية تعني شيء غير قابل للتجزئة ظنا منه بأن الذرة لا يمكن ان تتجزأ الى جسيمات اصغر منها حجما و هذا ما أثبت عدم صحته فيما بعد. و هو ذات الخطأ الذي وقع فيه دالتون بعد اكثر من 2000 سنة من ديموقريطس. و لكننا سنرى كيف صحح القران تلك المعلومة.
نستنتج مما سبق بان الثورات العلمية التي ادت الى اكتشاف الجسيمات المكونة للذرة لم تبدأ الا بعد عام 1897م، ففي بداية الامر اكتشفت الذرة بطريقة علمية و ممنهجة بعد نزول القران ب 1178 سنة و الاكترون بعد 1267 سنة و البروتون بعد 1280 سنة و النيوترون بعد 1300 سنة و اخيرا اكتشف الكوارك بعد 1330 سنة من نزول خاتم الكتب السماوية القران الكريم. و الله اعلم إن كنا سنتوصل يوما ما الى جسيمات مكونة للكواركات مع التقدم العلمي و التقني و التكنولوجي في المستقبل.
قال تعالى في الاية رقم 3 من سورة سبأ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) تأمل معي عزيزي القارئ قوله تعالى في (وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ) ففي هذه الكلمات الكريمة اشارة واضحة و صريحة الى حقيقة وجود جسيمات اصغر من الذرة اي ان الذرة ليست الجزء الذي لا يتجزأ من المادة كما كان يظن دالتون في نظريته كما اسلفنا، بل ان هنالك ما هو دون الذرة (أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ) و التي تعتبر من مكونات الذرة الاساسية مثل البروتون و النيوترون و الالكترون و الكوارك.
و كذلك يمكن ان نجمع بين تلك الاية التي اشارت الى الذرة و جسيماتها و بين آية ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) و نتأمل جملة ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ) التي تشير الى أن كل مافي الكون مخلوق بزوجية ومنها الذرة و الجسيمات المكونة للذرة (بروتون، الكترون ...) التي خلقها الله تعالى بزوجية مع نضيراتها من الاجسام المضادة و هذا ما اثبته العلم الحديث. و كذلك تمتلك بعض الذرات في الطبيعة ذرات مضادة لها مثل الهيدروجين و مضاد الهيدروجين حيث يكمن جوهر الاختلاف بين هاتين المادتين في طبيعة الجسيمات الدائرة حول النواة، حيث تدور الالكترونات حول نواة ذرة الهيدروجين، اما ذرة الهيدروحين المضاد فإن الجسيمات الدائرة حول نواتها هي البوزيترونات (مضاد الالكترون).
تلك الايات الكريمة اختصرت البحوث العلمية التي تلت نزول القران بأكثر من 11 قرنا من الزمن بكلمات معجزة و بسيطة اكدت من خلالها على ان المادة تتكون من ذرات دقيقة قابلة للتجزئة الى جسيمات اصغر منها و اكدت كذلك على وجود المادة و المادة المضادة.
و من المحزن ان نجد تلك الابحاث العلمية قد اجريت على ايدي علماء غربيين لم يقرؤوا القران و اياته و كلماته المعجزة التي اعطت نبذة مختصرة عن الذرة و اسرارها على الرغم من وجود عدد كبير من علماء المسلمين الذين مروا على تلك الايات الكريمة لمرات عديدة و لكن و مع الاسف الشديد لم يتحرك بداخلهم شغف البحث العلمي القائم على اساس التجربة و الاستنتاج كي يتوصلوا الى حقائق علمية اشارت اليها تلك الايات الكريمة قبل اكثر من 1440 عام لما في تلك الحقائق من منافع جمة في شتى مجالات الحياة العلمية منها الطبية، البيولوجية، الجيولوجية، علوم الآثار وغيرها.
لقد كان هنالك متسعا كبيرا من الوقت كي نقود علوم الفيزياء الذرية والاشعاعية و والنووية و علوم الآثر و الطب و لكن الكسل و الهوان و الإتكال على الغير بالإضافة الى عدم إدراكنا لرسالة الإسلام السمحة هي من العلل التي اوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم.