(أفكار قتلت أصحابها.. الكاهن "جوردانو برونو" الذي تحايلت عليه الكنيسة حتى أحرقته!)
بقلم : شريف إبراهيم
هناك العديد من نماذج العلماء الذين تضرروا نتيجة أفكارهم ورؤاهم السابقة للعصر ، ولعل أبرز من تضرروا من ذلك هم علماء الفلك، فقد أصبح من المسلم به القول بأن مسار علم الفلك لم يكن دوما مفروشاً بالورود، وإن صح القول أنه سطر بالدم والاضطهاد، ويبدو أنه كان صعبا على البشر دوماً التجاوب مع من يطالبهم بتغيير أفكارهم عن الكون وعلاقة الإنسان والأرض به، ومن الأمثلة المشهورة فى هذا المجال هو إعدام عالم الفلك "جوردانو برونو" فى العام 1600، وبطريقة جعلت نسيانها أمراً مستبعداً.
ولد "جوردانو برونو" فى بلدة "نولا" فى إيطاليا عام 1548. ثم ألحق بمدرسة القديس دومينيك، وخلال بضع سنوات عين كاهنا فى خدمة أخوية الدومينيكان، لكن الرهبنة لم تكن تناسبه، وسرعان ما تجلى فيه الميل إلى التفكير الفلسفى ونظرياته، وسار "برونو" بخطى سريعة ليشتهر كفيلسوف لامع ومميز، ولكنه لم يستطع أن يتقبل إملاءات الفكر الكنسى الذى امتدّت محرمّاته إلى شئون الحياة، وفى عام 1576، ترك الكهنوت، وبدأ ينطلق فى أوروبا كمفكر وفيلسوف، وبسبب جولاته ومحاضراته التى لم تستسغها غالبية السلطات الأوروبية، اندلعت مشاكل كثيرة بين برونو والكنيسة، خصوصاً بعد إصداره كتابه الذائع الصيت "عن اللانهائى والكون والعالم".
والأرجح أن صراعه مع الكنيسة لم يكن ليتأجج لولا إصداره ذلك الكتاب، واسترسل برونو فى أفكار فلسفية غير معتادة فى ذلك الحين، وفكر أنه إذا لم كانت الأرض مركزا للكون فلا بد أن تكون هناك أعداد لا تحصى من الكواكب الشبيهة بأرضنا فى الكون، وإن الكواكب الشبيهة بالأرض ربما سكنتها مخلوقات تشبه البشر أيضاً، وبذلك استنتج أن إنسان الأرض قد لا يكون محور الوجود كما فى تعاليم الكنيسة الكاثوليكية، ولم تكن تلك الأفكار فى القرن السادس عشر لتعنى سوى الهرطقة بعينها.
ومع بداية 1590، عمت شهرة برونو وأفكاره الجديدة فى الأوساط الثقافية فى أوروبا، وباتت الكنيسة تتنتظر الفرص للإيقاع به ولإحضاره إلى روما ، وجرى استدعاء برونو فى 1592 بحجة إسناد وظيفة تليق به. وما إن وطأت رجلاه أرض روما حتى اقتيد إلى دوائر التحقيق بتهمة الهرطقة، وقضى سنواته الثمانى الأخيرة حبيساً فى قلعة "سانت أنجلو" حيث تعرض للتعذيب والتحقيق إلى أن حانت محاكمته. ولم يتراجع وواجه قاضى الكنيسة الكاثوليكية بقوله "ليس على أن أتراجع، ولن أتراجع"، وتحدى حكم الاعدام الذى صدر فى حقه، فلم يغير موقفه وسلوكه. وتحدى متهميه قائلاً "حين تحكمون على بالموت، فإن خوفكم من هذا الحكم سيكون أكبر من خوفى منه".
وفى مطلع 1600 أصدرت الكنيسة الكاثوليكية حكم الإعدام بحقه، ونفذ الحكم بسرعة. حيث ثقب لسان برونو بشوكة حديد، ووضعت شوكة أخرى فى سقف حلقه. وصفّد فكه بحلقة معدنية، واقتيد عبر شوارع روما عارياً، ثم أحرق حياً فى ساحةٍ عامة تسمى بـ"ميدان النار"، وبعد وفاة "برونو" شعر الباحثون بقيمة علومه وأبحاثه وإعتبروه شهيداً للعلم، وتعبيرا من الكنيسة عن الندم قاموا بنحت تمثال له فى روما وهو يقف بعزة وشموخ.
المصدر
https://plato.stanford.edu/entries/bruno/