من الاعجاز العلمي للقرآن الكريم)
لم يكن العرب في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- يمتلكون سفنًا فضائية أو طائرات يصعدون بها إلى الفضاء حتى يشعروا بما سوف يحدث لهم نتيجة لارتفاعهم عن سطح الأرض. فمنذ أن تمكّن الإنسان من الطيران في بداية القرن العشرين، ظهر للعلماء بادرة طبيعية هي نقص الأوكسجين كلما صعدنا إلى طبقات الجو العليا. وبذلك يشعر الإنسان بضيق في الصدر وصعوبة في التنفس كلما ارتفع، حتى يصل مرحلة الاختناق، ولهذا فإن جميع الطائرات مزوّدة بكمامات لتزويد الركاب بالأوكسجين الصناعي عند الحاجة إليه.
ما رأيكم أن القرآن الكريم الذي نزل قبل ما يزيد على أربعة عشر قرنًا من الزمان ذكر بشكل صريح هذه الحقيقة العلمية عن ظاهرة انخفاض الضغط الجوي الناتجة من الصعود في طبقات الجو العليا، التي لم يتوصل إليها البشر إلا بعد ثلاثة عشر قرنًا من نزول القرآن، وبعدما بلغوا مستوى من التطور التكنولوجي الذي مكّنهم من الوصول إلى ارتفاعات بعيدة عن الأرض!
فتأمّلوا ماذا تقول هذه الآية من سورة الأنعام:
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) الأنعام
تشير هذه الآية الكريمة بوضوح إلى حقيقتين علميتين دقيقتين: الأولى تتحدث عن ضيق الصدر وصعوبة التنفس الناتجين من صعود الإنسان في طبقات الجو، اللتين تحدثان بسبب نقص الأوكسجين وهبوط ضغط الهواء الجوي. هذه الحقيقة العلمية لم تكن معروفة أبدًا زمن نزول القرآن، ولم يكن أحد في ذلك الزمان يعلم أن هناك غازًا اسمه الأوكسجين، وأن نسبة هذا الغاز تتناقص كلما ارتفعنا في طبقات الجوّ، ولم يكن أحد يعلم التأثيرات الفيزيائية على صدر الإنسان ورئتيه نتيجة نقصان الأوكسجين.
أما الحقيقة العلمية الثانية فتتمثل في حالة الحرج التي تسبق الموت اختناقًا حينما يتجاوز ارتفاع الإنسان في طبقات الجو ثلاثين ألف قدم. وأوّل اكتشاف لهذه الظاهرة كان في بداية القرن الماضي عندما حلّق الأخوان (رايت) بأوّل طائرة على هضاب كيتي هوك في 17 ديسمبر 1903، وشعرا بالضيق في صدريهما قبل أن يكشف العلماء لاحقًا العلاقة العكسية بين كمية الأوكسجين وضغطه والصعود إلى أعالي الجو.
إن أسباب الضيق الذي يحصل لمن يصعد للأعلى متعددة من أهمها: انخفاض نسبة الأوكسجين في الارتفاعات العالية، بل وانعدامها نهائيًّا في علو 67 ميلًا، فضلًا عن انخفاض الضغط الجوي الذي يؤدي إلى نقص معدّل مرور غازات إلى المعدة والأمعاء، ما يؤدي إلى دفع الحجاب الحاجز للأعلى فيضغط على الرئتين ويعوق تمددها، ما يؤدي إلى صعوبة في التنفس، وضيق يزداد حرجًا كلما صعد الإنسان عاليًا حتى يصل به الأمر إلى الاختناق التام. ولهذه الأسباب تجهز الطائرات الحديثة بأجهزة تقود إلى ضبط الضغط الجوي والأوكسجين، بل لو تعطلت هذه الأجهزة في الجو يضطر الطيار إلى الهبوط الاضطراري حفاظًا على حياة الركاب. فمن الذي أنبأ سيدنا ونبينا مُحمَّدًا النبي الأمّي –صلى الله عليه وسلّم- بهذه الحقائق العلمية التي ما عرفها بنو البشر إلا مؤخراً؟! ومن الذي أخبره بأن الذي يصعد في السماء يضيق صدره ويعاني حرجًا وصعوبة في التنفس؟! إنه الله الخبير العليم الذي وصف لنا هذه الحقيقة التي انتظر العلماء قرونًا من الزمان حتى يتوصّلوا إليها، بكلمات قليلة: (وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)!
لقد أصبح التفسيرُ العلمي لظاهرةِ الضيقِ والاختلافِ عند الصعود في طبقاتِ الجو العليا أكثر وضوحًا الآن بعد سلسلةٍ طويلةٍ من التجاربِ والأرصادِ التي أجراها العلماءُ لمعرفة مكونات الهواءِ وخصائصِهِ، وتوصلوا إلى أن الضغط الجوي يتأثر زيادة أو نقصانًا بحرارة الهواء، حيث توجد بين الاثنين علاقة عكسية، كما يتأثر بكمية الماء العالقة في الهواء حيث ينخفض الوزن ويقل الضغط كلما زادت كمية بخار الماء في الهواء؛ ولذا فنحن نشعر بالاختناق التدريجي كلما ارتفعنا عن سطح البحر إلى عنان السماء، حيث يصبح التنفس صعبًا بسبب نقص الضغط الجوي ونقص كميات الأوكسجين التي تستقبلها الرئتان حتى يضيق الصدر كما جاء في الآية:
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) الأنعام
إذا تأمّلتم هذه الآية الكريمة تجدونها تجمع بين البلاغة والإعجاز! فهي آية بليغة لأنها تشبه حال الكافر المعاند المكابر الذي يضيق صدره كلما ابتعد عن هدي الله، أي كلما ضل عن طريق القرآن. كما أنها آية معجزة، لأنَّها أوضحت ظاهرة جوية وحقيقة علمية فضائية لم يتوصل لها العلماء إلا بعد أكثر من ثلاثة عشر قرنًا من نزول القرآن، وهي العلاقة الطردية بين الضيق والاختناق من جهة والارتفاع في طبقات الجو من جهة أخرى.
ومن المدهش أن الناس قديمًا كان يعتبرون الصعود في السماء ضربًا من الخيال، وأن القرآن استخدم كلمة الصعود استخدامًا مجازيًا لا أكثر ولا أقل لأنهم فسروا الآية بحسب مستوى فهمهم الذي يتسق مع معطيات واقعهم، بالتالي فإن هذه الآية المعجزة تعتبر نبوءة تحققت في حياة الناس بعد أن تطور العلم وارتاد الناس عالم الفضاء، ما يؤكد حقيقة أن هذا القرآن الكريم يشتمل على جواهر وضيئة ينهل منها العارفون كل قدر ماعونه، ويفسرها المفسرون كل حسب فهمه الذي يتسق مع ما وصله العلم في عصره، ما يعني أن هذا القرآن الكريم، هو كلام الله وكتابه المسطور، وبما فيه من آيات كونه المنظور سيظل معجزة الإسلام المستمرة إلى يوم القيامة.