بيري
ريس
(البحار العثماني الذي حيَّرت خرائطه العالم)
حدثت المفاجأة الكبري التي أدهشت العالم، عام 1929 إثر اكتشاف مجموعة نادرة
لخرائط ملاحية تعود للقرن السادس عشر، قلبت المفاهيم الجغرافية والتاريخية رأسا على
عقب، فقد كانت الخرائط متكاملة الملامح، دقيقة التفاصيل، صحيحة الأبـعاد، واضحة
الخطوط، رُسمت في الحقبة التي عاش فيها كولومبوس، لكنها تناولت أماكن لم يصل إليها
كولومبوس!! واشتملت على السواحل الشرقية للقارتين الأمريكيتين (الشمالية،
والجنوبية) والسواحل الغربية لقارة أفريقيا والسواحل الشمالية للقارة القطبية
الجنوبية، وبلغت درجة الدقة إلى التطابق المثالي بين السواحل المرسومة في القرن
السادس عشر والمثبتة على تلك الخـرائط المدهـشة، وبين الصور التي تم التقاطهـا
بالأقمار الصناعية.
بيري ريس اسمه الكامل أحمد محي الدين بيري وريس اللقب العربي الذي يطلقه
العثمانيون على القادة البحـريين، (ولد ما بين 1465 و1470 وتوفي ما بين 1554 و1555)
ولد في مدينة غاليبولي الواقعة غربي إسطنبول كانت بمثابة المركز الرئيس للقوات
البحرية،
والتحق بيري ريس بسفينة عمه كمال ريس، فنـشأ في أحضـان البحر واشترك مع عمه
في معظم الغـارات والحروب ضد الإسبان والبرتغال والإيطاليين على مدي 14 عـاما
أمضـاها مع عمه.
كان بيري ريس مولعاً برسم الخـرائط، وكان يتحدث اللغتين العربية والتركية،
وكان أيضا يحسن التفاهم باللغات الإيطالية، اليونانية، الإسبانية والبرتغالية. فقرأ
المراجع البحرية القديمة المكتوبة باللغات التي يجيدهـا. أرسله السلطان "
بايزيد الثاني " لمساندة أسطول مسلمي الأندلس ثم عين قائدا على أسطول السويس،
واستطاع الاستيلاء على مسقط عام 1551 م، واشتبك في البصرة مع الأسطول البرتغالي
وهُزم في تلك المعركة، ثم عاد إلى مصر، ونتيجة لدسائس والي البصرة قباد باشا تم
إعدامه في مصر عام (1552 م) أو عام (1555 م).
وأهم ما وضعه بيري رئيس كان "كتاب البحرية" الذي باشر بإعداده
عام 1521 وفرغ منه بعد أربعة أعـوام، وكـان عبارة عن أطلس ملاحي شامل، قدم فيه
المؤلف وصفا دقيقا للسواحـل والشطآن مـع بيان التيارات المائية والشعب المـرجـانية
والمراسي والخلجـان والمرافئ ومنابع المياه العذبة، والقـلاع والمواضع المُحصنة.
تأكدت لاحقاً صحة بيانات الكتاب، ووقف علماء العصر الحديث مبهورين أمام
التطابق المُذهل بين الخـرائط التي رسمـها بيري وبين الصور المُلتقطة حديثا
بالأقمار الصناعية.